شهد عصر الدولة العباسية، والذي يعتبر العصر الذهبي للخط، تنوعا وزيادة في التطور. يتميز بفتور حدث في القرن العاشر مع ظهور كتابات متصلة تتميز بأحرف مستديرة وأصغر حجما، وغالبا ما يتم تجميعها تحت اسم النسخي.
هذا الأخير، ولأسباب عملية، طغى على حساب الخط الكوفي. يرجع هذا التحول الجذري أساسًا إلى ثلاثة خطاطين عظماء: ابن مقلة (886-940) وابن بواب (ت 1022) من مدرسة بغداد والمستعصمي (1203-1298) الذي وضع، بعد قرنين من الزمن، التنظير والممارسة لفن الكتابة بالنسخ، والمستخدمة حتى يومنا هذا.
إذا كان الخط في الأصل يهدف إلى تحسين تقنيات الكتابة حتى يكون أكثر جمالا ووضوحا، فإنه تجاوز مع الوقت حدوده التقنية ليتربع على عرش الفن الجمالي.
خلال العصر العباسي، بسطت سلالة الخلافة الفاطمية (909-1171)، المعروفة أيضًا باسم العبيديين، حكمها على المغرب العربي وصقلية وجزء من الشرق الأوسط. الفاطميون، وهم سلالة إسماعيلية شيعية (من القرن العاشر إلى القرن الثاني عشر)، اشتهروا ببراعة خطهم وتطوره. استخدموا أساليب مختلفة مثل الكوفي والثلث والنسخ والمحقق لإنشاء تركيبات متناغمة، وباستخدامهم لريش الطيور، نجحوا في رسم خطوط دقيقة وانسيابية، كما أتقنوا تركيب وموازنة الحروف لإنتاج أعمال ممتعة من الناحية الجمالية. هم من كانوا وراء إنشاء جامعة الأزهر الكبرى في القاهرة عام 970 م.
1. مدرسة بغداد
تدين مدرسة بغداد باسمها وسمعتها للخطاطين الثلاث الكبار من خلال مساهماتهم المتتالية. إن الفضاء السياسي والاقتصادي والفكري آنذاك أفضى إلى تمازج الأفكار من مختلف التخصصات ودعم بشكل خاص تطوير الفنون. على خطى أسلافهم، كانت أبحاثهم عبارة عن تحسينات وابتكارات، في استمرارية متواصلة، كل منها في مجال معين. إذا نظرنا إلى إبداعات ابن مقلة (886-940)، وهي أصلية تماما، فإنها لا تتعارض مع إبداعات أسلافه. وهو الحال كذلك بالنسبة لابتكارات خلفائه، مدرسة بغداد هي مثال ممتاز للتبادل ونقل المعرفة. ورث العديد من التلاميذ العظماء لهؤلاء الأساتذة المؤسسين الثلاثة، بما في ذلك عدد معين من النساء، تراثًا فنيًا غنيًا محفوظًا حتى يومنا هذا، كالشيخة شهدة بنت أحمد الأبري (1091 – 1178) المعروفة بفخر النساء، ابنة العلامة أبو نصر أحمد بن عمر الأبري (ت. 1112) والذي هو أستاذها أيضا، تفوقت في عدة علوم. وتميزت بشكل خاص في فن الخط.

عملة نقدية ذهبية
العصر العباسي
الخليفة أبو جعفر المنصور
بغداد، 754-775
المؤسسة العدلانية، الأغراض، OBJ-1667

مخطوط ملفوف
سورة الكوثر
نوع الخط كوفي
رق، 133 × 43 سم
المؤسسة العدلانية، المخطوطات، MAN-613
2. الخطاطون المؤسسون
1.2 أبو علي محمد بن مقلة (886-940)
شاعر وأديب شغل منصب الوزير، طبق قوانين الهندسة لتدوين الحروف وتحديد أبعادها. يعتمد نظام القواعد هذا على مخطط الألف الذي تُبنى حوله دائرة. حرف الألف الذي يمثل قطر هذه الدائرة يصبح هو الحرف القياسي، ثم يتم كتابة كل حرف من هذه الدائرة، فحل النسخ المنحني محل دقة الزاوية للكوفي. فكان إبداعه كشبه ثورة قضت تماما على استخدام الخط الكوفي واستبداله بالنسخي. وقد ترك ابن مقلة رسالة في الكتابة والقلم، نسخة منها محفوظة بالقاهرة، تناقش التقنية والرموز بشكل خاص بالإضافة إلى القلم وتقطيعه والحبر وتحضيره، يقول عبد الله بن زندجي (القرن العاشر) عن ابن مقلة: “نبي في فن الخط”، ويضيف أن “موهبته تضاهي إلهام النحل الذي يبني الخلايا”.
2.2 أبو الحسن علاء الدين علي بن هلال، المعروف بابن بواب (961 – 1022)
يُعرف أيضًا باسم ابن ستري، كان من المقربين للوزير فخر الملك أبي غالب محمد بن خلف (965-1016). كان يحترف تصميم الديكور كما كان عالمًا عظيمًا، اتجه إلى الخط والزخرفة، وبعد أن جمع كتابات ابن مقلة المتنوعة، عدلها بتحسين التقنيات حتى أوجد أسلوبه الخاص، وضع نقطة القياس والتي يحصل عليها من خلال الخط المائل الذي يتركه القصب على الورقة، وهي ما يقيس بها كل حرف، أتقن الخطوط وزخرفها، وخاصة منها خط النسخ والمحقق.
وبصفته أميناً لمكتبة “بويهيد بهاء الدولة” في شيراز، مسؤولاً عن نسخ الكتب المعروفة في ذلك الوقت منها أربعة وستين مخطوطة للقرآن الكريم، أهديت نسخة منها إلى مكتبة مسجد لاليلي (اسطنبول) للسلطان سليم الأول (1470-1520). نسخته من “ديوان” سلامة بن جندل (ت. 639) موجودة في مكتبة مسجد آية صوفيا (إسطنبول). حاليا لم يتم حفظ سوى نسخة واحدة من القرآن لهذا الخطاط، وهي موجودة في مكتبة تشيستر بيتي (دبلن).
تجدر الإشارة إلى أن خلال هذه الفترة برزت امرأة مشهورة متخصصة في أسلوب ابن البواب، وهي فاطمة بنت الأقرع (ت. 1087)، المشهورة بتعليمها فن الخط. ألهمت العديد من الفنانين ممن أخذوا عنها للتعلم. عملت فاطمة بنت الأقرع لدى السلطان السلجوقي الأول طغرل بك (995-1063) ووزيره الكندري (1024-1064)، حتى أنها دعيت من قبل الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله (1075 – 1056) لصياغة اتفاقية الهدنة بين العباسيين والبيزنطيين.
3.2 جمال الدين ياقوت المستعصمي (1203-1298)
كان عبدا للخليفة العباسي السابع والثلاثين والأخير في بغداد المستعصم بالله (1212-1258). وقد أبدع منذ البداية على المستوى الفني من خلال العمل على القلم الذي قطع منقاره بشكل جازم، ثم على القلم الذي قطع منقاره بشكل منحرف (المحرف)، وسرعان ما ظهرت شهرته ورفعته إلى مرتبة كقبلة الخطاطين. ونحن مدينون له بإتقان فن الخط والتنظير النهائي له وكذلك لما خلفه من أجمل المخطوطات والمصاحف المحفوظة حتى يومنا هذا، يزعم البعض أن المستعصم نسخ القرآن ألف مرة، توجد نسخة من مخطوطاته في المكتبة الوطنية بباريس ضمن مجموعة شيفر (المخطوطات العربية رقم 6082).

ورقتين للقرآن الكريم
سورة الفتح الآية 11
نوع الخط المحقق
ورق
المؤسسة العدلانية، المخطوطات، MAN-603

أختام ذات تصميمات مختلفة من الطين من العصر الفاطمي
القرن العاشر – مصر
القطر: 7 سم
المؤسسة العدلانية، الأغراض، OBJ-377

مخطوط للقرآن
سورة الفاتحة وسورة البقرة، الآيات 1-4
1771
الناسخ: محمد حسين بن ناصرعلي
نوع الخط ثلث
ورق، 33 × 22 سم
المؤسسة العدلانية، المخطوطات، MAN-132
3. أنماط الخطوط
النسخي (القرن العاشر)
من الناحية اللغوية، كلمة “النسخي” مشتقة من الفعل “نسخ” الذي يعني “نقل”، تم تدوين هذا الخط في القرن العاشر، وقد طوره الخطاط الكبير ابن مقلة (886-940)، ويتميز بسهولة القراءة والتوازن وسرعة التنفيذ، هذا الخط المسمى بالنسخي يتميز بخط مرن ومستدير، كل حرف من الحروف الأبجدية له قواعده الجمالية المحددة جيدًا. سرعان ما أصبح النسخي الأسلوب الأكثر انتشارًا في العالم العربي الإسلامي بأكمله. في القرن العاشر، حل الورق محل الرق، مما سمح بإنتاج كميات هائلة من الكتب، تطورت أساليب الخط الأخرى على حساب الخط الكوفي، الذي كان يعتبر تلك المرحلة مرجعًا للكتابة القرآنية، انتشر النسخي مع الفاطميين في حوالي القرن الثاني عشر، وخاصة في عهد مماليك مصر وسوريا، من 1250 إلى 1517.

بلاط الطين المزجج
العصر السلجوقي
22 × 23.3 سم
المؤسسة العدلانية، الأغراض، OBJ-3107

قلمدان من النحاس الأصفر مزينة بخط عربي فضي
نوع الخط ثلث
6 كغ، 55 × 13 سم
المؤسسة العدلانية، الأغراض، OBJ-469