الفصل العاشر

التقليد والتلقين

يرتبط مفهوم التقليد بشكل أساسي بنقل المعرفة والابتكارات عبر الأجيال. وبعيدًا عن أن يكون ثابتًا، فإنه يستمر بفضل المساهمات الجديدة، وهو ما يتجلى بوضوح في فن الخط الذي يجمع باستمرار بين التقليد والحداثة.

رتبط مفهوم التقليد بشكل أساسي بنقل المعرفة والابتكارات عبر الأجيال. وبعيدًا عن أن يكون ثابتًا، فإنه يستمر بفضل المساهمات الجديدة، وهو ما يتجلى بوضوح في فن الخط الذي يجمع باستمرار بين التقليد والحداثة.

يرتبط مفهوم التقليد بشكل أساسي بنقل المعرفة والابتكارات من جيل إلى جيل. وبعيدًا عن أن يكون متحجرا، تستمر حركية التقليد بفضل الإسهامات الجديدة، وهذا ما يظهر جليا في فن الخط الذي يجمع باستمرار بين الأصالة والمعاصرة. وتوضح هذه الممارسة أيضًا أخلاقيات الخط المسماة «أدب الخط» والذي يشير إلى سلوك يربط العالم المادي بالروحي، ويسلط الضوء على الهندسة الروحية التي تكمن في رسم وتشكيل الحروف والكلمات وربطها. يتم تعلم هذا الفن بشكل رئيسي من خلال العلاقة الوثيقة بين الشيخ والتلميذ، مع التذكير بالدور الأساسي للسمع والملاحظة وتلقي العلوم الموصلة لشهود المعنى. وهذا أعظم جزاء للشيخ في تلقين المعرفة. ينتهي مسار تعلم الخط إلى الحصول على إجازة، وهي شهادة تشهد على إتقان الطالب لهذا الفن. ويصاحب هذا السلوك الرمزي إنشاء تحفة خطية، تعبر عن قدرة الطالب على استقلاله بإنجازاته الشخصية. تمثل الإجازة توحيدا للشيخ والطالب روحيًا، مع التركيز على أهمية السلسلة المتصلة في نقل هذا الفن. تشير هذه العلاقة الرمزية بين الشيخ والطالب إلى التطور الدائم للتقليد، وتسلط الضوء على دوره الحاسم كتراث ثقافي وروحي يعود تاريخه إلى شخصيات رمزية من الماضي، مع التطلع نحو المستقبل.

1. بين الأصالة والمعاصرة

للوهلة الأولى، يشير مفهوم التقليد إلى عكس الجديد، بيد أن معنى كلمة التقليد تشير إلى ما نقله الخلف عن السلف، وبهذا المفهوم، فهو يشير إلى سلسلة من الابتكارات التي تم إبداعها وانتقلت من جيل إلى جيل. إن التقليد الذي يبقى كما ورد يكون مجرد حفظ، مادة متحجرة قد تختفي ما لم يتم إحياؤها، ويصبح تقليدًا حيًا فقط عندما يتم إحياؤه بمساهمات جديدة، ومن هنا تأتي مسؤولية وواجب الحفاظ على تراث التقاليد المتجذرة في الماضي ونقلها. يوضح الخط بشكل خاص هذه العملية، فهو جزء من معرفة السلف التي تنتقل من جيل إلى آخر، وتولد أشكالا جديدة، فهو شاهد على إعادة صياغة مستمرة لـ “التقاليد” التي يتم تحديثها و”عصرنتها” ضاربة جذورها في التاريخ، مما يسهم في نمو وتفرع شجرة المعرفة.

مخطوط ملفوف لشجرة الأنبياء من آدم ثم أضيف لها شجرة السلاطين العثمانيون
نوع الخط النسخي والثلث
ورق، 450 × 26 سم
المؤسسة العدلانية، المخطوطات، MAN-608

2. أدب الخط

1.2 أدب الخط

من نظرة مبدأ التوحيد المحي والمحرك لكل شيء، فإن شرح فن الخط دون إدراك الروحانية التي تتخلله، سيكون بمثابة وصف الحرف مع إغفال الروح التي تحركه. في “أدب الخط” يشير مصطلح “الأدب” إلى سلوك يربط العالم المادي بالروحي، والأفقي بالعمودي، ويعني موقفا داخليا وخارجيا مقرونا بثقافة عامة مصاغة على القيم والأدب الكوني. وكلمة “الخط” تعبر بدورها عن مفهوم فن الخط، “الخط هو عمل اليد التي ترسم خطا من الحرف، وهو شكل هندسي يبدأ من النقطة ليرسم جسم الحرف، فإذا اتخذ الحرف المنفصل شكلا، مثل الألف واللام والميم… يبقى صوت غير مفهوم، فمن خلال ربط الحروف ببعضها نعطي معنى للكلمة، ونشكل جملة ونعبر عن شعور أو نشارك فكرة ونستجيب لحاجة. لقد انتقلت كافة معارف ومهارات الإنسانية من جيل إلى جيل عبر الكلمات والصور والرموز والكتابات منذ فجر التاريخ. وهكذا فإن “أدب الخط” يشير إلى لغة الكائن ذو الوعي اليقظ الذي يتعلم ويعبر عن نفسه ويمارس فن “النقطة والخط”، وهو فن يوصف بحق أنه “الهندسة الروحية”، دون إغفال الدور التقني الأساسي للعلم والتكنولوجيا. ومع ذلك، فإن الفهم الذي يتغلغل عميقًا في وعينا هو وحده القادر على منحنا ذكاء القلب، فمن خلال النظر والملاحظة وتأمل الطالب لمعلمه يتقدم نحو المعرفة.

2.2 نقل المعرفة

يتم ضمان تلقين المعرفة بشكل رئيسي من قبل أساتذة يطلق عليهم “الشيخ” أو “المؤدب” والذي يقوم بتدريس وتعليم هذا الفن وفقًا للمعايير المتوارثة. في الخط، يتطلب هذا النقل التبادل النشط في العلاقة بين الشيخ والتلميذ. من خلال مراقبة الشيخ، يتعلم الطالب ليس فقط من خلال الكلمات، ولكن أيضًا من خلال حضور الشيخ وإيماءاته ووضعياته وأفعاله. ومن جانبه يراقب الشيخ بعناية ردود أفعال التلميذ ويدرك مواهبه وقدراته، ويكيف تدريسه حسب تقدمه. إن الاستماع والمراقبة الدقيقة لما يقوله الشيخ ويفعله خلال مرحلة التدريب المهني الطويلة، مع صرامة الطالب وانضباطه ، ضف لذلك دور الطاقة والعاطفة يساهم في الفهم والتفسير المثالي. لذلك، يمكن ملاحظة تشابه كبير بين عمل الخطاط وعمل الموسيقي، الذي يجب أن يعرف نظرية الموسيقى والنوتات الموسيقية كي يقدم تفسيرا، كما يشير عالم الموسيقى جان درينج: “تحت منحنيات الخط تتجلى الحبكة، كما هو الحال في موسيقى آزاد (موسيقى فارسية، آزاد بمعنى حرة) التي ندرك فيها الإيقاع والتدفق والتنفس، يتنفس المغني على إيقاع الشعر، كما يحبس الخطاط ويطلق أنفاسه على إيقاع الخط، والقلم نفسه لا يخلو من القياس كطرف الظفر أو الريشة التي تضرب أوتار العود أو الطار » الموسيقى والنشوة. السماع في الموروث الصوفي، باريس، ألبين ميشيل، 1988.

3.2 الإجازة

بالنسبة للطالب، تتوج نهاية مرحلة التعلم بالحصول على الإجازة، ويعني هذا المصطلح “السلوك” و”الإذن أو الترخيص”. يتم إعطاء الإجازة للطالب من قبل الشيخ عندما يرى أن تلميذه قد وصل إلى الدرجة الكافية، حيث يمتحنه بعمل يتضمن جزأين: جزء من إنتاج الطالب الذي يجب عليه أن يكتب نصًا أولًا في نص من اختياره بعد البسملة، ثم نصًا ثانيًا مكتوبًا بالثلث، والتي يليها حديث نبوي مكتوب بالخط النسخي عمومًا. ثم يضع الشيخ موافقته في المكان المخصص له، وبذلك يذكر أن الطالب قد وصل إلى الدرجة الكافية للتوقيع على أعماله الخاصة. يصبح الطالب مجازًا ويمكنه التوقيع بهذه المصطلحات “كتبه فلان المجاز من الشيخ فلان”، وبذلك يصبح جزءًا من سلسلة هذا الفن، يمثل كل منهما الشيخ والطالب حلقة فيها، فكما تفوق الشيخ على شيخه، فإن الطالب بدوره سيتفوق على معلمه، مما يولد تجديدا مستمرا في التقاليد، مما يسمح أيضا لشجرة المعرفة بالنمو. إذا كان الأب الجسدي “يعطي لحمًا وعظمًا”، فإن الشيخ يعطي الروح. يلعب الشيخ دور الأب الروحي لتلميذه وهو جزء لا يتجزأ من سلسلة التلقين الأولية لهذا الفن. لذلك فإن الإجازات هي تكريس يوحد المعلم والطالب بطريقة روحية. وهو يشهد على استمرارية وتطور هذا الفن الذي يمثل تراثاً ثقافياً وروحياً يعود إلى الحسن البصري (642-728) تلميذ علي بن أبي طالب (حوالي 600-661) وما زال مستمراً حتى يومنا هذا من خلال التطور المستمر.